ظهرت بعد ستينيات القرن الماضي مجموعةٌ من التخصصات تنتمي إلى اللسانيات، مثل التداولية والØجاج اللغوي ولسانيات النصّ. وقام باØثون عرب بنقل هذه المعرÙØ© الجديدة كون العرب صاروا متبضّعين أوÙياء من سوق الغرب. هذا النّقل مهم جدّا للباØØ« العربي شرØا وترجمة، لكن ما ÙŠÙمكن أن يعيب بعض هذه النقول هو الاختزال الذي تتعرّض له المعرÙØ©ØŒ أو تشويه نقلها، أو سوء تطبيقها على النصوص.
لقد سقطنا ÙÙŠ مناسبات كثيرة ÙÙŠ ÙØ® «موضة المعرÙة»، ولن نتØدّث كثيرا عن أزمة Ø§Ù„Ù…ØµØ·Ù„Ø Ùهي Ùوضى عارمة تبلبلت Ùيها الألسنة. ÙÙŠ مجال لسانيات النصّ، مثلا، نجد٠مصطلØات كثيرة مثل الاتساق والانسجام والسبك والØبك والالتØام والتلاؤم والتماسك والتنضيد والتنسيق، وهي ÙÙŠ النهاية مصطلØان اثنان cohésion Ùˆcohérence. ما أدّى إلى اضطراب المÙهوم. وقد تجد٠كلّ هذه المصطلØات تستعمل ÙÙŠ دراسة واØدة. وسبب هذه الÙوضى، أنّ كلّ باØØ« أراد أن يصنع مصطلØات تÙنسب إليه ÙÙŠÙشار إليه بالبنان.
رأينا كيÙÙŽ ÙŠØ¶Ø·Ø±Ø¨Ù Ø§Ù„Ù…ØµØ·Ù„Ø ÙˆØ§Ù„Ù…Ùهوم. أما بالنسبة للتطبيق، Ùهو ØÙلات قتل للنصوص والخطابات، خاصّة الإبداعية منها ولنأخذ القصيدة نموذجا. من بين هذه التخصّصات الجديدة، اتجاه الØجاج ÙÙŠ اللغة. وأملا من بعض الباØثين ÙÙŠ وضع رجل السبق ÙÙŠ تطبيق هذه العدّة دÙع الشّعر الثمن غاليا. إنّ عدّة الØجاج ÙÙŠ اللغة، لم تكن يوما مهيّئة ÙÙŠ مهدها عند أوزÙالد ديكرو، لتØليل النصوص والخطابات، Ùما بالك بالنصوص الأدبية، والشعر٠أرÙعها وأكثرها Øساسية، Ùقد اشتغل أقطاب هذا الاتجاه ÙÙŠ Ùرنسا على خطابات من اليومي لا تكاد٠تتعدى ÙÙŠ الغالب ثلاث جمل، عارية٠من أيّ مظهر أدبي. وهذا الاتجاه ÙÙŠ نظرية الØجاج يشتغل على الأمثلة البسيطة ليبين أنّ الØجاج مسجّل ÙÙŠ بنية اللغة، وأنّ ÙÙŠ اللغة طاقات Øجاجية بمجرّد تنظيمها. Ùيقوم٠هؤلاء الباØثون باستخراج الروابط الØجاجية والعوامل لكنّها موجودة ÙÙŠ جميع النصوص ولÙت الانتباه إلى وجودها تØصيل٠Øاصل، وإجراء مجّاني يمكن٠أن يقوم٠به تلاميذ٠المدارس. أما السّلم الØجاجي Ùقد تهاÙت على صعوده عديد كثير Øتى انكسرَ. إنّ الØديث عن الرّوابط لا يجدر٠إلا ÙÙŠ Øالة خلوّها من نصّ واختلال اتساقه. وتجد٠الواØد من هؤلاء يتÙاخر بأنّه أوّل من طبّق المنهج كذا على الجنس الأدبي كذا. ومن العجائب أنْ غÙÙ„ الغربيون عن تطبيق هذه الأدوات على الأدب بينما تÙطّن العربيّ الذي يعيش على التبضّع منهم إلى ذلك، لذلك Ùهذا الاتجاه غير مؤهل لدراسة النصوص الأدبية، Ùما بالك بخطاب طويل مثل الرواية.
ÙˆØدها البلاغة٠قادرةٌ على تØليل النصوص والخطابات Øجاجيا، خاصة الأدبية منها. لكنّ عدّة الØجاج البلاغيّ مرشّØØ© كذلك للتعس٠على النصوص الإبداعية، ÙÙŠ Øالة عدم تطبيقها بالشكل الصØÙŠØ. وعلى الباØØ« أن يضع نصب عينيه سؤال: كيÙÙŽ تساعدني هذه العدّة على إبراز المظاهر الجمالية للنص الأدبيّ ÙˆÙهمه؟
إنّنا نقتل النصوص عندما لا Ù†Øسن استعمال هذه المناهج الجديدة والأدوات الØادة، وتتØوّل تماريننا النقدية إلى لعب صبيانيّ ÙÙŠ خصوصية هذه النصوص وتشويه٠لها.
تأخذ هذه الدراسات القصيدة وتستخرج وسائل الاتساق وتØصيها مثل الإØالة والوصل والتكرير وغيرها من الوسائل. ÙŠÙشبه الأمر إعراب قصيدة أو تقطيعها عروضيا. إنّه تØصيل Øاصل وغير٠ذي جدوى، وينبغي أن يكونَ Ùقط تمرينا شخصيا للمبتدئين. Ùالاتساق موجود ÙÙŠ كلّ النصوص، مثله مثل النØÙˆ ÙÙŠ الجملة، إذ هو Ù†ØÙˆÙŒ للنصّ. Ùما Ùائدة أن تÙØصي لي الإØالة ÙÙŠ قصيدة؟
تكرّرت الإØالة٠عشرين مرة؟ جيّد!
ÙŠÙمكن٠أن نستعملَ Ù†ØÙˆ النصّ ÙÙŠ تØليل ما عند ملاØظة غياب الاتساق، لكنّ الاتساق أمرٌ عاديّ وهو المعيار الذي يجب أن يتوÙّر ÙÙŠ أيّ نص. هناكَ مشكلةٌ أو مشاكل بطبيعة٠الØال، وهناكَ بدائل٠وجهودٌ ÙÙŠ العالم العربيّ تناضل٠من أجل تØقيق الممارسة النقدية الواعية، خاصّة ÙÙŠ التخصصات الجديدة مثل البلاغة الجديدة والØجاج والتداولية ولسانيات النص وغيرها.
انطلاقا من رصد مشكلة٠Øقيقية تشوب٠الدراسات والأبØاث الجامعية والمستقلّة، نشرت٠نهاية سنة 2019ØŒ كتاب «الشّعرية وانسجام الخطاب: لسانيات النصّ وشعرية جان كوهن»، عن دار كنوز المعرÙØ© الأردنية. ÙˆÙكرتÙه، ببساطة، تقديم إطار نظريّ لتطبيق Ù…Ùهومي الاتساق والانسجام على الخطاب الشعريّ. قدّم البØØ« ÙÙŠ شقّه الأوّل توضيØا لمÙهومي الاتساق والانسجام على الأسس اللسانيات. Ùيما اختص الشّق الثاني بتقديم رؤية جان كوهن لتطبيقهما على النصّ الشّعري، من خلال كتابه واسع الشّهرة «بنية اللغة الشّعرية»، وهو كشÙÙŒ غير٠مسبوق عن اØتواء هذا الكتاب، لأسس لسانيات النص وتنزيلها على الخطاب الشّعري قبل ترجمة مقال هاريس إلى الÙرنسية، وظهور أبØاث لسانيات النص ÙÙŠ أوروبّا وأولها كتاب مايكل هاليداي ورقية Øسن «الاتساق ÙÙŠ الإنكليزية».
تتلخّص Ùكرة الاتساق عند جان كوهن ÙÙŠ رصد مظاهر مخالÙØ© الشعر للاتساق والاستعمال غير العاديّ لوسائله وابتكار أدوات اتساق جديدة. وذلك راجع إلى طبيعة الخطاب الشعري وقيامه على Ù…Ùهوم Ø§Ù„Ø§Ù†Ø²ÙŠØ§Ø Ø§Ù„Ù…Ù„Ø®Ù‘Øµ لمشروعه البلاغي. Ùإذا كانت الخطابات العادية القائمة على المعيار تÙØاÙظ٠على تمام مظاهر الاتساق، Ùإنّ القصيدة تستمدÙÙ‘ شعريتها من خلوّها من كثير من مظاهره ومعاكسة طرقه التقليدية. لنأخذ مثلا الرابط (لكن) الذي يربط٠بين جملتين متناÙرتين ÙÙŠ الخطابات المعيارية، مثل: زيد ذكيّ لكنّه٠متخاذل. بينما يستعمل٠الشّعر، لكن للوصل بين جملتين متماثلتين دلاليا، مثل: إنّها جميلةٌ لكنّها قمر. ولنأخذ مثالا آخر هو الإØالة المقامية، التي مهمتها، عادة، التØديد ÙتØيل٠على متكلّم ومخاطب مشاركين ÙÙŠ الخطاب وعلى زمان ومكان٠معيّنين، لكنّها ÙÙŠ الشعر لا تØيل٠على شيء ليظلّ الشعر سابØا ÙÙŠ المطلق غير مقترن٠بشيء٠مØدّد.
ÙˆØ·Ø±Ø Ø§Ù„ÙƒØªØ§Ø¨Ù ÙƒØ°Ù„Ùƒ سؤالا مهمّا هو: إذا كانت القصيدة نصّا خاصا Ùما وسائل الاتساق الخاصة بها؟ Ùرصد الكتاب بعض وسائل الاتساق الملتصقة بالقصيدة مثل التوازي والتقابل الظاهر.
أمّا Ù…Ùهوم الانسجام Ùهو Øاضرٌ بقوّة ÙÙŠ عمل جان كوهن. لقدْ ربطَ كوهن بين الشّعرية ÙˆØضور الدلالة، Ùالخطاب الشّعري غير٠المÙهوم عنده ليسَ شعرا. يقول: «لا يمكن٠الØديث عن الخطاب إذا لم يكن هناكَ تواصل. ولكي يكونَ الشّعر شعرا ينبغي أن يكونَ Ù…Ùهوما من طر٠ذلك الذي يوجّه إليه»، وبالتالي Ùالمتلقي هو الذي ÙŠØدد انسجام الخطاب من عدمه. وهو الذي يخلع الشّعرية على القصيدة أو ينزعها. ويقول: «إنّ الشّعرنة عمليّة ذات وجهين متعايشين متزامنين: Ø§Ù„Ø§Ù†Ø²ÙŠØ§Ø ÙˆÙ†Ùيه. تكسير البنية وإعادة التبنين. ولكي تØقق القصيدة شعريتها ينبغي أن تكون دلالتها Ù…Ùقودة أولا، ثم يتم العثور عليها، وذلك كله ÙÙŠ وعي القارئ». إن القراءة الÙعلية للقصيدة لا تبدأ إلا بعد الانتهاء منها. وشعور القارئ أن الدلالة هاربة منه ثم القبض عليها بجهد٠جهيد يجعله يشعر بلذة النص الشعري. ولØظة إضÙاء المتلقي الانسجام على القصيدة ما هي إلا Ù„Øظة انتصار لكل من القارئ والقصيدة. Ùتكتسب القصيدة شعريتها، لا من المعاني الظاهرة والجاهزة بدونَ عناء، ولكن من تأويل القارئ مجموعة العناصر هنا وهناك والربط بينها بواسطة ÙƒÙاياته وخبرته.
لقد تجاوزنا تلك المرØلة التي كنّا Ùيها Ù†Ùتقد٠إلى المعرÙØ© النقدية الجديدة Øتى صار هذا الوقت٠متخما بالمعرÙØ©ØŒ وصرنا Ø£Øوجَ إلى غربلتها وتنظيمها واستيعابها واستعمالها بوعي، Ùالأدوات٠النقدية الجديدة٠والمÙاهيم٠ليست غاية ÙÙŠ ذاتها لكنّها وسائل٠خادمةٌ للقراءة والتØليل، Ùلا قيمة لها ÙÙŠ ذاتها. Ùمن المÙترض أن تخدم القراءة والنصوص لا أن تكونَ أدوات٠قتل٠غير واعÙ. وقد آنَ الأوان٠لمراجعة أنÙسنا وتعاملنا مع الأدب، ÙˆØانَ وقت المساءلة والاعترا٠بأخطاء الماضي، Ùالعودة٠إلى الصواب Ù€ وإن كانت ثقيلة على النّÙس Ù€ خيرٌ من التعنّت والمضيّ ÙÙŠ الوهم.
٠كاتب مغربي